في يوم الشباب العالمي، ولحتمية التغيير المنشود يجب علينا قبل كل شيء العودة للواقع وتسليط الضوء على بعض الحقائق، والتفكير في أحوال الشباب في بلدنا ليبيا وحول العالم ، والنظر في أسباب غياب أو تراجع دور الشباب وشعورهم بحالة عدم اليقين فيما يخص حاضرهم ومستقبلهم، الذي أثرت عليه تزايد حدة الأزمات السياسية و حالات النزاع المحلية والدولية حول العالم والتبعات التي خلفتها جائحة كورونا من حولنا، وحول العالم، فضلا عن الآثار السلبية التي تواكب الأزمات الاقتصادية، دون نسيان الضغوطات المعيشية، والتسارع في نمط أسلوب الحياة الذي فرضته وسائل التواصل الاجتماعي، وتأثيره علينا نحن الشباب.
وبالنظر إلى كل التحديات والمتغيرات لا يزال الملايين من الشباب يحاولون جاهدين صناعة التغيير الحقيقي بوسائل مختلفة وامكانيات بسيطة وإبداع منقطع النظير، محاولين تجاوز كل العقبات التي تواجههم وسط بيئة سياسية واقتصادية متقلبة تتغير فيها المصالح والمواقف تغيرات جذرية بشكل مستمر، وكل المبادئ فيها مائعة والحقيقة غير واضحة.
ليبيا اليوم، ليست استثناءً من كل ذلك، بل وضع الشباب فيها أكثر تعقيداً، حيث أثقلت أكتافنا لكثرة التحديات والعراقيل التي أصبحت تمس حياة الشاب في أبسط حقوقه، والخدمات الأساسية التي من المفترض ألا تأخذ أصلا حيزاً من تفكيره، هذا ناهيك عن حالة عدم اليقين للحاضر والمستقبل التي عكستها لنا الظروف السياسية والاقتصادية للبلد. أما بصورة أكثر شمولاً و في دول الربيع العربي، فنتشارك بالرغم من كل التحديات، مواجهة الثورات المضادة والتشكيك بمدى صواب هذه الثورات و إيجابية التغيير، وما إذا كان ينبغي أن نستمر في ذات الطريق، فعندما تكون النتائج غير مرضية كما هو الحال اليوم، يتحول التشكيك بإيجابية التغيير إلى حالة سائدة. وهو بالتالي ما يضع علينا تحديا إضافيا لإصلاح كل ذلك وإثبات ألا رجوع عن خيار الديمقراطية، والتداول السلمي على السلطة، ومدنية الدولة.
أقولها بصراحة، أصبحت اليوم أتشارك مع الكثير من الشباب نظرة مختلفة حول كل ما سبق، مؤمنين بحتمية التغيير والنضال من أجل تحقيقه، فعلى قدر التحديات وصعوبة الأوضاع التي يعيشها الشباب في ليبيا مقارنة بأقرانهم حول العالم، تصبح المسؤوليات أعظم. وبالتالي فالمسؤولية علينا أكبر، وطريقنا يجب أن تكون مختلفة، وعلينا نحن أن نشقها بأنفسنا. علينا أن نوجد البيئة المناسبة لصناعة التغيير بأيدينا، وأن نعمل بكل جد لننتقل من العيش في دور الضحية إلى تقمص دور الطبيب الذي يداوي نفسه بنفسه، لننتقل من كوننا وقود حرب إلى صناع سلام، و من كوننا مجرد أنصار لبعض السياسيين أو الأحزاب – الذين قزّموا أدوار الشباب في مساحات هامشية، لا تتعدى قيادة حملات انتخابية أو تلميع صورهم في مواقع التواصل الاجتماعي – إلى كوننا أصحاب مشاريع ورؤى سياسية، نطرحها نحن لا غيرنا على الشارع، ونلعب دوراً سياسياً يبدأ بالترشح ولا ينتهي فقط بالوصول لقبة البرلمان. يجب علينا نحن الشباب أن نؤمن بأنفسنا، وندعم بعضنا بعضاً، ونعتمد على قواعدنا الشبابية ، ونقود العملية السياسية بأنفسنا. أخذنا على عاتقنا ألا نكون مجرد أعداد تضاف إلى نسب البطالة، بل قادة تنفيذيون نصنع مشاريع التنمية و نطور من سوق العمل و نرفع من جودة التعليم والصحة والرياضة.
إن الدور الفاعل الذي سنصنعه وبدأنا عمليا في صياغته لا يمكن أن أتحدث عنه بطريقة مثالية أو رومانسية، الطريق سيكون طويلاً وصعباً، ويتطلب منا أولا الإيمان بقدراتنا، وصناعة مشروع يكون فيه الاختلاف مكمّلا لا معطلا. يجب أن نأخذ بكل الأسباب وأن نعمل مجتمعين كل في قاعدته الشبابية، وندعم بعضنا البعض ونتعاون لا أن نتقاتل، وأن نضع كل ما نستطيع من جهود وكل ما نملك في مشاريع التغيير؛ ثم ننطلق من خلال تجاربنا الطويلة والمتعددة وخبراتنا لتصدر المشهد للمرة الأولى، ونصنع ليبيا التي ستكون لنا اليوم، وغداً، وللأجيال القادمة من بعدنا.